السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
القصص والقص لغة : تتبع الأثر .
وفي الاصطلاح : الإخبار عن قضية ذات مراحل ، يتبع بعضها بعضا .
وقصص القرآن أصدق القصص ؛ لقوله تعالى:
{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً}
(النساء: الآية87)
وذلك لتمام مطابقتها على الواقع وأحسن القصص لقوله تعالى:
{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآن}
(يوسف: الآية 3)
وذلك لاشتمالها على أعلى درجات الكمال في البلاغة وجلال المعنى .
وأنفع القصص ، لقوله تعالى :
{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَاب}
(يوسف: الآية 111) .
وذلك لقوة تأثيرها في إصلاح القلوب والأعمال والأخلاق .
وهي ثلاثة أقسام :
*- قسم عن الأنبياء والرسل ،
وما جرى لهم مع المؤمنين بهم والكافرين .
* - وقسم عن أفراد وطوائف ، جرى لهم ما فيه عبرة ،
فنقلة الله تعالى عنهم ، كقصة مريم ، ولقمان ، والذي مر على قرية
وهي خاوية على عروشها ، وذي القرنين ، وقارون ، وأصحاب الكهف ، وأصحاب الفيل ، وأصحاب الأخدود وغير ذلك .
*- وقسم عن حوادث وأقوام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ،
كقصة غزوة بدر ، وأحد ، والأحزاب ، وبني قريظة ، وبني النضير ،
وزيد بن حارثة ، وأبي لهب ، وغير ذلك .
وللقصص في القرآن حكم كثيرة عظيمة منها :
1- بيان حكمة الله تعالى فيما تضمنته هذه القصص ؛
قال تعالى :
{وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ}
(القمر:4)
{حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ}
(القمر:5)
2- بيان عدله تعالى بعقوبة المكذبين ؛
لقوله تعالى عن المكذبين :
{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ
الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّك}
(هود: الآية 101)
3- بيان فضله تعالى بمثوبة المؤمنين ؛
لقوله تعالى :
{إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَر نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر} (القمر:34-35)
4- التسرية عن النبي صلى الله عليه وسلم عما أصابه من المكذبين له ؛
لقوله تعالى :
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ}
(فاطر:25)
{ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ}
(فاطر:26) .
5- ترغيب المؤمنين في الإيمان بالثبات عليه والازدياد منه ،
إذ علموا نجاة المؤمنين السابقين، وانتصار من أمروا بالجهاد ،
لقوله تعالى :
{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}
(الأنبياء:88)
وقوله :
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ
فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}
(الروم:47)
6- تحذير الكافرين من الاستمرار في كفرهم ،
لقوله تعالى :
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا}
(محمد:10) .
7- إثبات رسالة النبي صلى الله عليه وسلم فإن أخبار الأمم السابقة
لا يعلمها إلا الله عز وجل ،
لقوله تعالى:
{تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ
مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}
(هود:49)
وقوله:
{أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ
مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ}
(إبراهيم: الآية 9) .
تكرار القصص
من القصص القرآنية ما لا يأتي إلا مرة واحدة ،
مثل قصة لقمان ، وأصحاب الكهف ،
ومنها ما يأتي متكررا حسب ما تدعو إليه الحاجة ، وتقتضيه المصلحة ،
ولا يكون هذا المتكرر على وجه واحد ، بل يختلف في الطول والقصر واللين والشدة وذكر بعض جوانب القصة في موضع دون آخر .
ومن الحكمة في هذا التكرار ؟
1- بيان أهمية تلك القصة لأن تكرارها يدل على العناية بها .
2- توكيد تلك القصة لتثبت في قلوب الناس .
3- مراعاة الزمن وحال المخاطبين بها ،
ولهذا تجد الإيجاز والشدة غالبا فيما أتى من القصص في السور
المكية والعكس فيما أتى في السور المدنية .
4- بيان بلاغة القرآن في ظهور هذه القصص على هذا الوجه
وذاك الوجه على ما تقضيه الحال
5- ظهور صدق القرآن ، وأنه من عند الله تعالى ،
حيث تأتي هذه القصص متنوعة بدون تناقص .
الإسرائيليات
الإسرائيليات : هى الأخبار المنقولة عن بني إسرائيل من اليهود
الأكثر ، أو من النصارى .
وتنقسم هذه الأخبار إلى ثلاثة أنواع :
الأولى : ما أقره الإسلام ، وشهد بصدده فهو حق .
مثاله : ما رواه البخاري وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه قال :
جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع ، وسائر الخلائق على إصبع فيقول : أنا الملك ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم :
{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}
(الزمر:67)
الثاني : ما أنكره الإسلام وشهد بكذبه فهو باطل
مثاله:ما رواه البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: كانت اليهود
تقول إذا جامعها من ورائها ، جاء الولد أحول ؛ فنزلت :
{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}
(البقرة: الآية 223)
الثالث : ما لم يقره الإسلام ، ولم ينكره ، فيجب التوقف فيه ،
لما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان أهل
الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تصدقوا أهل الكتاب ولا
تكذبوهم ، وقولوا
{آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ}
(العنكبوت: الآية 46) الآية ،
ولكن التحدث بهذا النوع جائز ، إذا لم يخش محذور ؛
لقول النبي صلى الله عليه وسلم :
" بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ،
ومن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده م النار "
رواه البخاري .
وغالب ما يروى عنهم من ذلك ليس بذي فائدة في الدين كتعيين
لون كلب أصحاب الكهف ونحوه .
وأما سؤال أهل الكتاب عن شئ من أمور الدين ، فإنه حرام
لما رواه الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" لا تسألوا أهل الكتاب عن شئ ؛ فإنهم لن يهدوكم ، وقد ضلوا ،
فإنكم إما أن تصدقوا بباطل ، أو تكذبوا بحق ، وإنه لو كان موسى
حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني " .
وروى البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال : يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شئ ، وكتابكم الذي أنزل الله على نبيكم صلى الله عليه وسلم أحدث الأخبار بالله محضا ، لم يشب ، وقد حدثكم أن أهل الكتاب قد بدلوا من كتاب الله ، وغيروا ، فكتبوا بأيدهم ، قالوا : هو من عند الله ؛ ليشتروا بذلك ثمنا قليلا أو لا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم ؟ فلا والله رأينا رجلا منهم يسألكم عن الذي أنزل إليكم.
موقف العلماء من الإسرائيليات
اختلفت مواقف العلماء ، ولا سيما المفسرون من هذه الإسرائيليات
على ثلاثة أنحاء :
أ- فمنهم من أكثر منها مقرونة بأسانيدها ، ورأي أنه بذكر أسانيدها
خرج من عهدتها ، مثل ابن جرير الطبري.
ب- ومنهم من أكثر منها ، وجردها من الأسانيد غالبا ،
فكان حاطب ليل مثل البغوي الذي قال شيخ الإسلام ابن تيميه
عن تفسيره : إنه مختصر من الثعلبي ، لكنه صانه عن الأحاديث
الموضوعة والآراء المبتدعة ،
وقال عن الثعلبي : إنه حاطب ليل ينقل ما وجد في كتب التفسير من
صحيح وضعيف وموضوع .
ج- ومنهم من ذكر كثيرا منها، وتعقب البعض مما ذكره بالتضعيف
أو الإنكار مثل ابن كثير .
د- ومنهم من بالغ في ردها ولم يذكر منها شيئا يجعله تفسيرا للقرآن
كمحمد رشيد رضا . :)